Monday, December 05, 2011

في وادي العبيد





ضاع عُمْري  في  دياجيرِ  الحياة
وخَبَتْ أحلامُ  قلبــي  المُغْرَقِ
ها أنا وحدي على شطِّ  المماتِ
والأعاصيــرُ  تُنادي   زورقي
ليس  في  عينيّ  غيـرُ   العَبَراتِ
والظلالُ  السودُ  تحمي   مفرقي
ليس في  سَمْعيَ غيرُ  الصَرَخاتِ
أسفاً للعُمْـــرِ، ماذا قد بَقِي ؟

سَنَواتُ العُمْر  مرّت  بي  سِراعا
وتوارتْ في دُجَى الماضي  البعيدْ
وتبقَّيْتُ  على  البحْر    شِراعـا
مُغرَقاً  في  الدمْع  والحزنِ  المُبيدْ
وحدتـي تقتلُني  والعُمْرُ  ضاعا
والأَسى لم يُبْقِ لي حُلماً "جديدْ"
وظلامُ  العيْش لم  يُبْقِ  شُعَاعـا
والشَّبابُ الغَضُّ يَذْوي  ويَبِيـدْ

أيُّ  مأساةٍ  حياتي   وصِبايــا
أيّ  نارٍ خلفَ  صَمْتي  وشَكاتي
كتمتْ  روحي  وباحتْ  مُقْلتايا
ليتها  ضنّتْ  بأسـرار حياتـي
ولمن  أشكو   عذابـي   وأسَايا ؟
ولمن  أُرْسـلُ  هذي  الأغنياتِ ؟
وحوالـيَّ  عبيـدٌ   وضحايـا
ووجودٌ مُغْـرَقٌ فـي الظُلُماتِ

أيُّ  معنىً  لطُموحي  ورجائـي
شَهِدَ الموتُ بضَعْفـي   البَشريّ
ليس في الأرض لُحزْني من  عزاءِ
فاحتدامُ الشرِّ  طبْعُ  الآدمــيِّ
مُثُلي العُلْيا  وحُلْمي  وسَمَائـي
كلُّها  أوهامُ  قلبٍ  شاعــريِّ
هكذا قالوا ... فما  مَعْنى  بَقائي ؟
رحمةَ الأقدارِ بالقلب الشقــيِّ

لا أُريدُ العيشَ في وادي العبيـدِ
بين أَمواتٍ ... وإِن لم   يُدْفَنـوا
جُثَثٌ ترسَفُ في أسْرِ القُيــودِ
وتماثيلُ اجتـوتْها الأَعيُـــنُ
آدميّونَ  ولكـنْ  كالقُــرودِ
وضِبَاعٌ شَرْســةٌ لا تُؤمَــنُ
أبداً أُسْمعُهـم عذْبَ نشيـدي
وهُمُ نومٌ عميـقٌ مُحْـــزنُ

قلبيَ الحُرُّ  الـذي لم  يَفْهمـوهُ
سوف يلْقَى في أغانيــه العَزَاءَ
لا يَظُنّوا  أَنَّهم  قـد  سحقـوهُ
فهو ما  زالَ  جَمَالاً  ونَقَــاءَ
سوف تمضي في  التسابيح  سِنوهُ
وهمُ في الشرِّ فجراً  ومســاءَ
في حَضيضٍ  من  أَذاهْم  ألفـوهُ
مُظْلمٍ لا  حُسْنَ  فيه ، لا  ضياءَ

إِن أَكنْ عاشقةَ الليلِ  فكأسـي
مُشْرِقٌ  بالضوءِ  والحُبِّ  الوَريقِ
وجَمَالُ الليلِ قد  طهّرَ  نفسـي
بالدُجَى والهمس والصمْتِ العميقِ
أبداً يملأ أوهامــي  وحسِّـي
بمعاني  الرّوحِ  والشِعْرِ  الرقيـقِ
فدعوا لي  ليلَ  أحلامي  ويأسي
ولكم أنتم  تباشيرُ  الشُــروقِ

في وادي العبيد - نازك الملائكة  8-8-1946

Monday, October 10, 2011

الوهم المقدس




ألا جاء علـمٌ وعقــلٌ منـــــــــير ** يبينُ كذْبَ النبيِّ البشــــــــــير

هلمُوا إليْنا ولا تَنْظـــــــــــــــرُوا ** ولا تَرْجُوا وَهْمَ إلالهٍ فقـــــــــــير

ولا ترجُوا بعـدَ الممات حـــــــياة ** فحلمُ الخلودِ خيالٌ شهـــــــــير

دعا العقلَ حـــراً على مايــــــراه ** ولا يكُ للجهلِ عقلٌ أســـــــــير

فَقَدْ أَثيتَ العِلْـــمُ وَهْمَ الإلـــــــه ** فلا دينُ جاءَ بعلمٍ خبـــــــــــــير

فهل كانت الشمسُ حقــاً تــدور ** على الارضِ هل قال هذا بصير

ولم يكُ دينُــكَ ديــنُ الســـــــلام ** فقد تماديتم باثمٍ كبــــــــــــــير

بغزوٍ وسلبٍ وسبيِ النـــــــساء ** وقطعِ الطريق وقتلِ الأســــــــير

فلا ترأفـــونَ بأمٍ حــــــــــــــــنون ** ولا رقَّ قلبٌ لطفلٍ صغــــــــــــير 

فإنْ تَكُ أماً فحــانَ الفـــــــــراق ** لسوقِ الجواري وبئسَ المصــير

وأنْ كان طفــلاً بعمـرِ الزهــــــور ** رقيــقٌ يباعُ بشيءٍ يسِـــــــــــير

ويُؤخَذُ طفـلُ العبيـــدِ من الْـــــ ** أباء يُباعُ كبيعِ الشعــــــــــــــــــير

وعن طفلـــةٍ ذاتِ تسعِ سنين ** تُزَفُّ كـزوجٍ لشَيْخٍ كبــــــــــــــــــير

فلو لم تكونـوا بهذا الجنـــــون ** فلا نالَ دينٌ جناحاً يطــــــــــــــــير

نعيــمُ الديانـةِ أرضُ الجهــــــل ** وتفنـى بعلـمٍ وعقلٍ منــــــــــــــير
عقلاني العقلاني

Monday, July 11, 2011

الطريق إلى السيدة




يا عمّ ..
من أين الطريق ؟
أين طريق " السيّدة "؟
- أيمن قليلا ، ثمّ أيسر يا بنيّ
قال ,, و لم ينظر إليّ !
***
و سرت يا ليل المدينة
أرقرق الآه الحزينة
أجرّ ساقي المجهده ،
للسيّدة
بلا نقود ، جائع حتّى العياء ،
بلا رفيق
كأنّني طفل رمته خاطئة
فلم يعره العابرون في الطريق ،
حتّى الرثاء !
***
إلى رفاق السيّده
أجرّ ساقي المجهده
و النور حولي في فرح
قوس قزح
و أحرف مكتوبة نم الضياء
" حاتي الجلاء "
و بعض ريح هيّن ، بدء خريف
تزيح عقصة مغيّمة ،
مهمومة
على كتف
من العقيق و الصدف
تهفهف الثوب الشفيف
و فارس شدّ قواما فارغا ، كالمنتصر
ذراعه ، يرتاح في ذراع أنثى ، كالقمر
و في ذراعي سلّة ، فيها ثياب !
***
و الناس يمضون سراعا ،
لا يحلفون ،
أشباحهم تمضي تباعا ،
لا يتظرون
حتّى إذا مرّ الترام ،
بين الزحام ،
لا يفزعون
لكنّني أخشى الترام
كلّ غريب ههنا يخشى الترام !
و أقبلت سيّارة مجنّحة
كأنّها صدر القدر
تقلّ ناسا يضحكون في صفاء
أسنانهم بيضاء في لون الضياء
رؤوسهم مرنّحة
وجوههم مجلوّة مثل الزهر
كانت بعيدا ، ثمّ مرّت ، واختفت
لعلّها الآن أمام السيّده
و لم أزل أجرّ ساقي المجهده !
***
و الناس حولي ساهمون
لا يعرفون بعضهم .. هذا الكئيب
لعلّه مثلي غريب
أليس مثلي غريب
أليس يعرف الكلام ؟
يقول لي .. حتّى .. سلام !
يا للصديق !
يكاد يلعن الطريق !
ما وجهته ؟
ما قصّته ؟
لو كان في جيبي نقود !
لا . لن أعود
لا لن أعود ثانيا بلا نقود
يا قاهره !
أيا قبابا متخمات قاعده
يا مئذنات ملحده
يا كافره
أنا هنا لا شيء ، كالموتى ، كرؤيا عابره
أجرّ ساقي المجهدة
للسيّده !
للسيّده !
--------
(نوفمبر 1955)


أحمد عبدالمعطي حجازي