لا يزال عموم وسائل الاعلام و ممثلي الشعب و المسئولين يطنطنون و يدندنون على وتر الدفاع عن النسيج الوطني و الوحدة الوطنية و المواطنة و غيرها من مصطلحات يبدو بان فهمي المعكوس لها يتعارض مع الاسطوانات المشروخة التي ما ينفك اي منهم في عزفها قسرا على اسماعنا!
لقد اضحت هذه المسميات شماعة لكل فاقد حجة او مغيب عن الواقع لا يرتجى منه خير، كما اصبحت سلاحا في ايدي مقاولي السياسة من نواب و موظفي الدولة و الشيوخ لتمرير مصالحهم و أهوائهم في لعبة سياسية مبهمة لا ترى الا مصلحة شخصية فوق مصلحة الوطن!
حتى جملتي الاخيرة مشابهة لما يقال و يطلقونه هؤلاء! لماذا... لأن مفهوم المواطنة و النسيج الوطني و الوحدة الوطنية لا مصطلح محدد لها، و لا لها معيار ثابت يستطيع المرء من خلاله التقيد به و العمل عليه. و رغم ذلك يخيل لي ان هذه المصطلحات التي تم طرحها في الشارع السياسي مؤخرا بصورة سمجة يبدو و كأنها كمحصلة سقطت الينا من السماء! سأعيد صياغة الفكرة... قد يبدو للوهلة الأولى ان هذه المصطلحات قد نتجت كمحصلات فجأة من العدم، و لأنني قد اوردت للوهلة الأولى سأنقض في خضم الموضوع هذه الجملة.
ما الذي يحدد المواطنة، او الوطنية او الوحدة الوطنية، او العادات و التقاليد و غيرها من صفات يتحلى بها مجتمع ما؟
هل هي فئة معينة و مقصورة على عقيدة دون غيرها؟
هل من المعقول ان تحور العادات و التقاليد و المفاهيم و التاريخ خدمة لفئة واحدة؟
ما هي مصلحة الحكومة من مسايرة هذه الفئات، و هل من المعقول ان اجندة السبعينات التي استخدم فيها عنصر القبلية الدينية لا يزال مستمرا رغم خروجها عن الطاعة و تمردها حتى اصبحت صوت المعارضة؟
من اين تستمد هذه الحركات قوتها؟
كيف بامكاننا شرح او حتى فهم دوافعهم و هل يمكننا ان نختصر كل ما يقومون به في كلمة واحدة؟
الاجابة على السؤال السابق هي محور هذه المقالة، و هذه الكلمة هي الاصولية!
ان الاصولية و الاصولية التمامية في هذه الحالة متعارضة في المنهج مع الحداثة و التطور و الحراك و هو ما يكون صراعا ما بين الحداثة من جهة و الاصولية التمامية، هذه الاصولية التمامية تعني في شقيها الاصولي و التمامي على اديولوجية متزمتة رافضة للتأويل و التاثيرات التاريخية و الاجتماعية و تجددها. فالاصولية تقليد رافض لكل تحديث في حين ان التمامية التي نتجت عن الصراع مع الحداثة و الدولة هي تطرف رافض لأي سلوكيات و قيم لا تطابق تماما النص المقدس! (مصطفى خُلال- الحداثة و نقد الأدلوجة الاصولية).
هذه الاصولية كما نرى بوضوح في المثال الاسلامي تتميز بالطابع الثوري العنيف مشابهة في ذلك الاصولية الكاثوليكية و تختلف عنها في رفضها التام للدولة الاسلامية القائمة اما لخروجها عن الملة او تحريفها للدين. و لذلك فهي تعمل على الاطاحة بها اما بالعمل الحزبي السياسي او بالعمل الجمعوي الدعوي، و هو ما يفسر ظاهرة نائب مجلس الامة محمد هايف الذي رفض في عدة محافل الوقوف للسلام الوطني و تحية العلم من جهة و عمله الدائم مع النواب الاسلاميين في قلب القوانين العلمانية و ابدالها بالقوانين الدينية المتوافقة مع مذهبهم، و محاربة كل ما يهدد استمرارية سيطرتهم على الصوت الديني و مساره.
و هؤلاء يشتركون دائما في نقاط 3 رئيسية:
· الايمان بفساد الدولة باعتبارها علمانية
· الايمان بأن الحداثة كفر
· الايمان بان الغرب عدو استراتيجي
هؤلاء المتطرفون من وكلاء للجنة و حملة مفاتيحها و ممثليهم في مجلس الامة يرفضون بتطرف و تشدد جميع مظاهر الحداثة و الحراك الاجتماعي و الفكري و التكنولوجي باعتبارها خطرا يتهدد كيانهم.
و عن طريق اسقاط هذا التهديد بانه تهديد للدين او نصوصه تحدث اولى حالات الارهاب الفكري في بدايتها و يتطور سريعا حتى ينتهي بالاقصاء الجسدي و الاغتيال من قبل اتباع الفكر المتطرف ذوي التطويع السهل.
لماذا تضخمت المشكلة؟
في موضوع ياسر الحبيب و ما ذكره من رأي تجاه عائشة علينا في البدء استحضار امرين مهمين، اولاهما ان ما يردده ياسر هو نفس ما يؤمن به غالبية الشيعة و يدور في جلساتهم الخاصة و هو امر ليس بخفي على احد، اي ان الحبيب لم يؤتي بشيء من عنده!
ثانيا ان الحبيب حوكم على خلفية هذا الموضوع و سجن و حصل على عفو اميري، و كل هذا حدث دون ان يكون هنالك شحن طائفي و مواجهات تمردية من قبل عدة اطراف مؤثرة على الطرفين!
لذلك، فان من المنطق ان نرى من المستفيد الحقيقي من هذا الصراع، و امامي، لا ارى الا ثلاثة و نصف: وسائل الاعلام، و افراد من اسرة الحكم و جهات دينية سنية متطرفة تبتغي به بسطا اكثر للنفوذ و احكام القبضة على مقدرات البلد و قيادته، و بضعة اطراف نيابية تجد في هذه الفتنة وسيلة لتمرير سياساتها و مصالحها!
و هو ما سأتناوله في المقالة القادمة..
تحياتي.